• ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ 3.
اتَّبِعُوا- أيُّها الناسُ- ما أُنزِلَ إليكم مِن رَبِّكم مِن الكتابِ والسُّنَّةِ؛ بامتثال الأوامِر
واجتناب النَّواهي، ولا تَتَّبِعُوا مِن دُون اللهِ أولياءَ؛ كالشياطين والأحبار والرُّهبان.
إنَّكم قليلاً ما تَتَّعِظُونَ، وتَعتَبِرُونَ، فتَرجِعُونَ إلى الحَقِّ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ 6. أيْ: لَنَسْأَلَنَّ الأُمَمَ
الذين أَرْسَلَ اللهُ إليهم المُرسَلين عَمَّا أجابوا به رُسَلَهم ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ
مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ... ﴾ القصص/65. ﴿ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾
عن تَبلِيغِهم لرِسالاتِ رَبِّهم وعَمَّا أجابتهم به أُمَمَهم.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ"
• ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ 8-9.
ووَزْنُ أعمال الناس يوم القِيامةِ يكونُ بمِيزانٍ حَقيقيٍّ بالعَدل والقِسط الذي لا
ظُلْمَ فيه. فمَن ثَقُلَت مَوازينُ أعمالِهِ- لِكَثرةِ حَسناتِهِ- فأولئكَ هُم الفائِزُونَ.
ومَن خَفَّتْ مَوازِينُ أعمالِهِ- لِكَثرةِ سَيِّئاتِهِ- فأولئكَ هُم الذين أضاعوا حَظَّهم
مِن رضوان الله تعالى؛ بسَبب تجاوزهم الحَدّ بجَحْدِ آياتِ الله تعالى وعَدَمِ
الانقيادِ لها.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ 16-17.
فانتبِه أخي، فإنَّ إبليسَ وأعوانَه مُتربِّصُونَ بِكَ، ويُحاولون جاهِدِينَ أن يُوقِعُوكَ
في حَبائِلِهم؛ بترغيبِكَ في الدُّنيا، وتشكيكِكَ في الآخِرة، وإبعادِكَ عن طريق الحَقِّ.
• ﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ 18.
قال اللهُ تعالى لإبليس: اخرُج مِن الجنة مَمقُوتًا مَطرُودًا، لأملأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ
ومِمَّن تَبِعَكَ مِن بني آدم أجمعين.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
فاحذَر خُطواتِ الشيطان، واحذَر مَكرَه وَوسْوَسَتَه، فما جَزاءُ مَن اتَّبعَه إلَّا جَهنَّمَ،
والعِياذُ بالله.
• ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا
نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ 20.
إذا كان الشيطانُ قد وَسْوَسَ لنبيِّ اللهِ آدمَ ولزوجِهِ عليهما السَّلامُ،
فلا تَظُنَّنَّ نَفسَكَ في مأمَنٍ مِن مَكره وَوَسْوَسَتِهِ، ولا تَدَّعِ الصَّلاحَ والتَّقوى
وعَدَمَ الاستجابةِ لوَسْوَستِهِ، فما يُستعانُ عليه وعلى رَدِّه إلَّا بذِكر اللهِ
سُبحانه ودُعائِهِ.
• ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ 21. وهكذا دائِمًا رُفَقاءُ السُّوءِ؛
يَلْبَسُونَ أمامكَ ثيابًا غيرَ ثِيابِهم، ويَظهَرونَ بوجوهٍ غير وجوهِهم،
ويُبدونَ حُبَّهم لكَ، وخَوفَهم عليكَ، ورَغبتَهم في نُصحِكَ، وسَعيَهم في مَصلحتِكَ،
وقد يُقسِمون لكَ على ذلك، فإذا وَقعتَ في فِخاخِهم، ذَهبُوا وتركوكَ، وتبرَّأوا مِنكَ
وكأنَّهم لا يَعرفونَكَ، ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ الحشر/16.
• ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 23.
وهكذا المُخطِئُ الذي لا يُريدُ سِوَى رضا رَبِّهِ؛ يَعترفُ بخَطئِهِ، ولا يُلقِي باللَّومِ
على أحدٍ، ولا يُبرِّر، وهكذا التائِبُ يُقِرُّ بذنبِهِ ويتوبُ ويَستغفِر.
• ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ 26. ولباسُ تقوى الله تعالى- بفِعل الأوامِر
واجتنابِ النَّواهِي- هو خَيرُ لِباسٍ للمُؤمِن.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
فاحرِص على تقوى اللهِ في السِّرِّ والعَلَنِ والظَّاهِر والباطِن.
• ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ﴾ 27.
فاحذَر أخي أن يَفتِنَكَ الشيطانُ، وأن يَخدَعَكَ ويُغويَكَ ويُزيِّنَ لكَ المَعصيةَ،
ويُبعِدَكَ عن الصِّراطِ المُستقيم.
• ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ 28. فاللهُ سُبحانه لا يأمُرُ إلَّا بالخَير،
﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾ 29، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ النحل/90. وحَرَّمَ اللهُ سُبحانه
الفواحِش والقبائِح والمَعاصي كُلّها، ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 33.
• ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ 31. يا بني آدم، كُونُوا عند أداءِ كُلِّ صَلاةٍ على حالةٍ
مِن الزينةِ المشروعةِ؛ مِن ثيابٍ ساترةٍ لعَوراتِكم ونظافةٍ وطهارةٍ ونحو ذلك،
وكُلُوا واشربُوا مِن طيِّباتِ ما رَزَقَكم الله، ولا تتجاوزوا حُدُودَ الاعتدال في ذلك.
إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُتجاوزين المُسرفين في الطعام والشراب وغير ذلك.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ 34.
أيْ: وقد أخرج اللّهُ بني آدم إلى الأرض، وأسكنهم فيها، وجعل لهم أجلاً مُسَمَّى،
لا تتقدَّمُ أُمَّةٌ مِن الأُمَمِ على وقتِها المُسَمَّى، ولا تتأخَّرُ، لا الأُمَمُ المُجتمعة
ولا أفرادُها.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ"
فاعمَل للَحظةٍ يُقالُ فيها: مات، اعمَل لدارٍ باقيةٍ؛ لِتعيشَ عِيشةٍ راضيةٍ،
في جنَّةٍ عاليةٍ، فإنَّ أجلَكَ إذا جاء لا تستطيعُ تأخيرَه لتعمَلَ صالِحًا.
• ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ
مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ 44.
ونادى أصحابُ الجَنَّةِ- بعد دُخُولِهم فيها- أهلَ النار قائلين لهم: إنَّا قد وَجَدنا
ما وَعَدَنا رَبُّنا على ألسنةِ رُسُلِهِ حقًّا مِن إثابةِ أهل طاعتِهِ، فهل وجدتم ما وَعَدَكم
رَبُّكم على ألسنةِ رُسُلِهِ حقًّا مِن عِقابِ أهل مَعصيتِهِ؟ فأجابَهم أهلُ النار قائلين:
نَعم قد وجدنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حقًّا. فأذَّنَ مُؤَذِّنٌ بين أهل الجَنَّةِ وأهل النار: أنْ
لَعنةُ اللهِ على الظالمين الذين تجاوزوا حُدُودَ اللهِ، وكُفَرُوا باللهِ ورُسُلِهِ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ
أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 46-47.
وبين أصحاب الجَنَّةِ وأصحاب النار حاجِزٌ عَظِيمٌ يُقالُ له الأعراف،
وعلى هذا الحَاجِز رِجالٌ يَعرِفُونَ أهلَ الجَنَّةِ وأهلَ النار بعلاماتِهم؛
كبَياض وجوه أهل الجَنَّةِ، وسَوادِ وجوه أهل النار. وهؤلاء الرجال قَوْمٌ اسْتَوَت
حَسناتُهم وسَيِّئاتُهم، يَرجُونَ رَحمةَ الله تعالى. ونادَى رجالُ الأعرافِ أهلَ الجَنَّةِ
بالتَّحيَّةِ قائلين لهم: سلامٌ عليكم. وأهلُ الأعرافِ لم يَدخُلُوا الجَنَّةَ بعد،
وهم يَرجُونَ دُخُولَها. وإذا حُوِّلَتْ أبصارُ رجال الأعرافِ جِهَةَ أهل النار قالوا:
رَبَّنا لا تُصيِّرنا مع القوم الظالمين بشِركهم وكُفرِهم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ 54. يُخبِرُ تعالى بأنَّه خَلَقَ
هذا العالَم: سَماواتِهِ وأرضَه، وما بين ذلك، في سِتَّةِ أيامٍ؛ هِيَ: الأحد، والاثنين،
والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة (وفيه اجتمع الخَلْقُ كُلُّه، وفيه خُلِقَ
آدمُ عليه السَّلامُ). ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ فللناس في هذا المقام مقالاتٌ
كثيرةٌ جِدًّا، وإنَّما يُسلَكُ في هذا المقام مَذهَبُ السَّلَفِ الصَّالِح؛ وهو إمرارُها كما
جاءت مِن غير تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ. والأمرُ كما قال الأئمةُ- مِنهم نُعَيْم
بن حَمَّاد الخُزاعيّ شيخ البُخاريّ-: ‹‹ مَن شَبَّه اللهَ بخَلْقِهِ فقد كَفَرَ، ومَن جَحَدَ
ما وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَه فقد كَفَرَ ›› . وقولُهُ تعالى: ﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثًا ﴾ أي: يُذهِبُ ظَلامَ هذا بضِياءِ هذا، وضِياءَ هذا بظَلامِ هذا، وكُلٌّ منهما
يَطلُبُ الآخَرَ طَلبًا سَريعًا لا يتأخَّرُ عنه، بل إذا ذَهَبَ هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا
ذَهَبَ هذا. الجَميعُ تحت قَهْرِهِ وتَسخِيرِهِ ومَشيئتِهِ؛ ولهذا قال مُنَبِّهًا: ﴿ أَلا لَهُ
الْخَلْقُ وَالأمْرُ ﴾ ؟ أيْ: له المُلْكُ والتَّصَرُّفُ، ﴿ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾.
"تفسيرُ ابن كثيرٍ بتَصَرُّفٍ"
• ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 55. أمَرَ اللهُ تعالى
بدُعائِهِ إلحاحًا في المسألةِ، ودُءُوبًا في العِبادةِ، لا جَهرًا وعلانيةً، يخافُ منه
الرياء، بل خُفيةً وإخلاصًا لله تعالى. إنَّ اللهَ تعالى لا يُحِبُّ المُتجاوزين للحَدِّ
في كُلِّ الأمور. ومِن الاعتداءِ: كَوْنُ العَبدِ يَسألُ اللهَ مَسائِلَ لا تَصلُحُ له،
أو يتنطَّعُ في السُّؤال، أو يُبالِغُ في رَفْعِ صَوْتِهِ بالدُّعاءِ، فكُلُّ هذا داخِلٌ في
الاعتداءِ المَنهِيِّ عنه.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ بتَصَرُّفٍ"
• كُلُّ الأنبياءِ جاءوا لِدَعوةِ قومِهم إلى توحيدِ اللهِ عَزَّ وجلَّ؛
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ 59،
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ 65،
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ 73،
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ 85،
وقال مُوسى- عليه السَّلامُ- لقومِهِ: ﴿ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ
عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 140.
• ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ 96. ولو أنَّ أهلَ القُرَى صَدَّقوا
رُسُلَهم واتَّبعُوهم واجتنبوا ما نَهاهم اللهُ عنه، لَفَتَحَ اللهُ لهم أبوابَ الخَير مِن
كُلِّ وجهٍ، ولكنَّهم كَذَّبُوا، فعَاقَبَهم اللهُ بالعَذابِ المُهْلِكِ بسَبَبِ كُفْرِهم ومَعاصيهم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
120-122. وهكذا مَن يَبحَثُ عن الحَقِّ؛ إذا ظَهَرَ له، أذْعَنَ له، وصَدَّقَه،
ولم يُكثِر الجِدالَ، ولم يَستمِرّ في الدِّفاعِ عن مُعتَقَدِه الباطِل، ولو كان ذلك
على حِسابِ إرضاءِ الناس، ولو كان في ذلك إيذاؤه، لكنْ ليس على حِسابِ
دِينه.
• ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ
وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ 127.
وهكذا حاشيةُ الحُكَّام والمُلُوكِ والسَّلاطِين وأصحابُهم، الذين لا يُحسِنونَ اختيارَهم،
فلا يُرشِدونَ إلَّا إلى الشَّرِّ، ولا يَنهونَ إلَّا عن الخَير. فإنْ كُنتَ في منصبٍ قِياديٍّ،
فليَكُن حولَكَ الصَّالِحونَ؛ فإنَّهم سيكونونَ عَونًا لكَ- بإذن الله- على الخير،
وسينهونَكَ عن الفَسادِ والشَّرِّ.
• ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي
وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ
دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قَالَ
يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ ﴾ 143-144. فمُوسى- عليه السَّلامُ- كليمُ الله، كلَّمَه بغير واسِطةٍ،
وكَذَبَ مَن ادَّعَى غيرَ ذلك.
• ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ 156. فإذا كانت رَحمةُ اللهِ تعالى شَمِلَت
المًؤمِنَ والكافِرَ، والبَرَّ والفاجِرَ، وشَمِلَت الحيواناتِ والطُّيُورَ، وكُلَّ شيءٍ في هذا
الكون، فكيف لعاصٍ أن يستمِرَّ في مَعصيتِهِ ولا يُسارِع بالتَّوبةِ والرُّجوعِ إلى رَبِّهِ؟!
وكيف لمُذنِبٍ أن يَقنَطَ مِن رَحمةِ رَبِّهِ ولا يَرجُوا غُفرانَ ذَنبِهِ؟! وكيف لِمَن قَسَا
قلبُهُ أن لا يَلينَ ويَرحمَ مَن حولَه؟!
• ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ
تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا
كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ
عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ 163-166.
واسأل- أيُّها الرسولُ- هؤلاء اليَهود عن خَبَر أهل القريةِ التي كانت بقُربِ
البَحر، إذ يَعتدي أهلُها في يوم السبت على حُرُماتِ الله؛ حيثُ أمَرَهم أن
يُعَظِّمُوا يومَ السبت ولا يَصِيدُوا فيه سَمَكًا، فابتلاهم اللهُ وامتحنهم؛ فكانت
حِيتانُهم تأتيهم يوم السبت كثيرةً طافِيَةً على وجه البحر، وإذا ذَهَبَ يومُ
السبت تذهبُ الحيتانُ في البحر، ولا يَرَوْنَ منها شيئًا. فكانوا يَحتالون على
حَبْسِها في يوم السبت في حَفائِر، ويَصطادونها بَعدَه. وكما وَصَفْنَا لكم مِن
الاختبار والابتلاء، لإظهار السَّمَكِ على ظَهر الماءِ في اليوم المُحَرَّمِ عليهم
صَيْدُه فيه، وإخفائِهِ عليهم في اليوم المُحَلَّل لهم فيه صَيْدُه، كذلك نَختَبِرُهم
بسَبَب فِسْقِهم عن طاعةِ الله وخُرُوجِهم عنها. واذكُر- أيُّها الرسولُ- إذْ قالت
جَماعةٌ منهم لجَماعةٍ أخرى كانت تَعِظُ المُعتَدِين في يوم السبت، وتنهاهم عن
مَعصيةِ الله فيه: لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهْلِكُهم في الدُّنيا بمَعصيتِهم إيَّاه أو
مُعَذِّبُهم عَذابًا شديدًا في الآخِرة؟ قال الذين كانوا يَنهَوْنهم عن مَعصيةِ الله:
نَعِظُهم وننهاهم لِنُعْذَرَ فيهم، ونُؤدِّيَ فَرْضَ الله علينا في الأمر بالمعروف
والنهي عن المُنكر، ورَجاءَ أن يَتَّقُوا اللهَ، فيَخافُوه، ويتوُبُوا مِن مَعصيتِهم
رَبّهم وتَعدِّيهم على ما حَرَّمَ عليهم. فلَمَّا تَرَكَت الطائفةُ التي اعتدت في يوم
السبت ما ذُكِّرَت به، واستمرَّت على غَيِّها واعتدائِها فيه، ولم تَسْتَجِب لِمَا
وَعَظَتْها به الطائفةُ الواعِظةُ، أنجى اللهُ الذين يَنْهَوْنَ عن مَعصيتِهِ، وأخَذَ
الذين اعتدَوْا في يوم السبت بعَذابٍ أليمٍ شديدٍ؛ بسَبَبِ مُخالفتِهم أمر اللهِ
وخُرُوجِهم عن طاعتِهِ. فلَمَّا تَمَرَّدَت تلك الطائفةُ، وتجاوَزَت ما نهاها اللهُ
عنه مِن عَدَمِ الصَّيْدِ في يوم السبت، قال لهم اللهُ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ
مُبْعَدِينَ مِن كُلِّ خَيرٍ، فكانوا كذلك.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 180. وللهِ- سُبحانه وتعالى- الأسماءُ الحُسْنَى،
الدَّالَّةُ على كمال عَظَمَتِهِ، وكُلُّ أسمائِهِ حَسَنٌ، فاطلُبُوا منه بأسمائِهِ ما تُريدُونَ،
واتركوا الذين يُغيِّرون في أسمائِهِ بالزيادةِ أو النُّقصانِ أو التَّحريفِ، كأن يُسَمَّى
بها مَن لا يَستحِقُّها، كتسميةِ المُشركين بها آلهتَهم، أو أن يجعل لها معنى
لم يُرِدْه اللهُ ولا رسولُهُ، فسوف يُجْزَوْنَ جَزاءَ أعمالِهم السيئةِ التي كانوا
يَعملونها في الدُّنيا مِن الكُفر باللهِ، والإلحادِ في أسمائِهِ، وتكذيب رَسُولِهِ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا
لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾ 187.
يَسألُكَ- أيُّها الرسولُ- المُكَذِّبونَ لكَ المُتعنِّتون، عن وقتِ الساعةِ الذي تجيءُ
به، ومتى تَحلُّ بالخَلْق. قُل لهم: إنَّ اللهَ تعالى مُختَصٌّ بعِلمِها، لا يُظهِرُها لوَقتِها
الذي قُدِّرَ أن تقومَ فيه إلَّا هو. خَفِيَ عِلمُها على أهل السَّماواتِ والأرض، واشتدَّ
أمرُها عليهم، فهم مِن الساعةِ مُشفِقون. لا تجيءُ إلَّا فَجأةً مِن حيثُ لا
تشعرون، لم يَستعِدُّوا لها، ولم يتهيَّأوا لقِيامِها.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ بتَصَرُّفٍ"
فلا تُصدِّقُوا تلك المنشوراتِ التي تُنبِّئُ بقُربِ الساعةِ، وتُحدِّدُ لها وقتًا مُعيَّنًا،
فعِلمُها عند اللهِ سُبحانه وَحدَه.
• ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 188.
فإذا النبيُّ مُحمدٌ- صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يَقدِرُ على جَلبِ الخَير لنفسِهِ ولا
دَفع الشَّرِّ عنها إلَّا ما شاء اللهُ سُبحانه، فمِن باب أولى غيرُه مِن البَشر الذين
يَدَّعونَ لأنفُسِهم العِصمةَ، ويَقبلون مُغالاةَ عامَّةِ الناس فيهم وتبجيلَهم وجَعلَهم
أندادًا لرَبِّ العالَمين، بل ويُشجِّعونهم على ذلك. ومِن باب أولى الموتى وأصحابُ
القُبُور والأضرحةِ، الذين يَلجأ إليهم ضِعافُ العقول والدِّين والعِلم؛ لِطَلبِ حاجاتِهم
ودُعائِهم والاستغاثةِ بهم. فلو فَكَّرَ هؤلاءِ قليلاً، لَعَلِموا أنَّ مَن يلجأون إليهم
ويَرفعونهم فوق قَدْرِهم ومَكانتِهم بَشَرٌ مِثلَهم، لا يَملكون لأنفُسهم نفعًا ولا ضرًّا،
فضلاً عن غيرهم. قال اللهُ سُبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ
أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 194.
• ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ 199. هذه الآيةُ جامِعةٌ
لحُسن الخُلُق مع الناس، وما ينبغي في مُعاملتِهم، فالذي ينبغي أن يُعاملَ به
الناس، أن يأخُذَ العفو، أيْ: ما سَمَحَت به أنفُسُهم، وما سَهل عليهم من
الأعمال والأخلاق، فلا يُكَلِّفهم ما لا تَسْمَحُ به طبائِعُهم، بل يَشكُرُ مِن كُلِّ أحدٍ
ما قابله به، مِن قولٍ وفِعلٍ جَميلٍ أو ما هو دُونَ ذلك، ويتجاوزُ عن تقصيرهم،
ويَغُضُّ طَرْفَه عن نَقْصِهم، ولا يتكبَّرُ على الصغير لِصِغَرِه، ولا ناقص العقل
لِنَقْصِهِ، ولا الفقير لِفَقْرِه، بل يُعامِلُ الجَميعَ باللُّطفِ والمُقابلةِ بما تقتضيه الحالُ،
وتنشرحُ له صدُورُهم. ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ أيْ: بكُلِّ قَولٍ حَسَنٍ وفِعلٍ جَميلٍ،
وخُلُقٍ كامِلٍ للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس مِنكَ، إمَّا تعليمُ عِلْمٍ،
أو حَثٌّ على خَيرٍ؛ مِن صِلةٍ رَحِمٍ، أو بِرِّ والدين، أو إصلاحٍ بين الناس،
أو نصيحةٍ نافعةٍ، أو رأي مُصيبٍ، أو مُعاونةٍ على بِرٍّ وتقوى، أو زَجْرٍ عن
قَبيحٍ، أو إرشادٍ إلى تحصيل مَصلحةٍ دِينيَّةٍ أو دُنيويَّةٍ. ولَمَّا كان لا بُدَّ مِن
أذيَّةِ الجاهِل، أمَرَ اللّهُ تعالى أنْ يُقابِلَ الجاهِلَ بالإعراض عنه، وعَدَمِ مُقابلته
بجَهْلِهِ، فمَن آذاكَ بقَولِهِ أو فِعلِهِ لا تُؤْذِه، ومَن حَرَمَكَ لا تَحرِمه، ومَن قَطَعَكَ
فَصِلْهُ، ومَن ظَلَمَكَ فاعدِل فيه.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ"
• ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 204. هذا الأمرُ
عامٌّ في كُلِّ مَن سَمِعَ كِتابَ اللّه يُتلَى، فإنَّه مأمورٌ بالاستماع له والإنصاتِ.
والفرقُ بين الاستماع والإنصات، أنَّ الإنصاتَ في الظاهِر بترك التَّحَدُّثِ أو
الاشتغال بما يَشغَلُ عن استماعِهِ. وأمَّا الاستماعُ له: فهو أن يُلْقِيَ سَمْعَه،
ويُحضِرَ قلبَه، ويتدبَّرَ ما يَستمِعُ. فإنَّ مَن لازَمَ على هذين الأمرين حِين يُتلَى
كتابُ اللّه، فإنَّه يَنالُ خَيرًا كثيرًا، وعِلمًا غَزيرًا، وإيمانًا مُستمرًّا مُتجددًا، وهُدىً
مُتزايدًا، وبَصيرةً في دِينه. ولهذا رَتَّبَ اللّهُ حُصُولَ الرحمةِ عليهما. فدَلَّ ذلك
على أنَّ مَن تُلِيَ عليه الكتابُ، فلم يَستَمِع له ويُنصِت، أنَّه مَحرُومُ الحَظِّ مِن
الرحمةِ، قد فاته خَيرٌ كثيرٌ. ومِن أَوْكَدِ ما يُؤمَرُ به مُستمِعُ القُرآن، أنْ يَستمِعَ
له ويُنصِتَ في الصلاةِ الجَهريَّةِ إذا قرأ إمامُه، فإنَّه مأمورٌ بالإنصاتِ، حتى إنَّ
أكثرَ العُلَماءِ يقولون: إنَّ اشتغالَهُ بالإنصاتِ، أَوْلَى مِن قِراءَتِهِ الفاتحة، وغيرها.
"تَفسيرُ السَّعدِيّ"