• ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ 2. أنزل اللهُ كتابَه
لأجل إخلاص الدِّين كُلِّه لله، وأن لا يُشرِكَ به أحدٌ مِن خَلْقِهِ.
إنَّني لكم- أيُّها الناسُ- من الله رَبِّكم نذيرٌ لمن تجرأ على المعاصي
بعِقاب الدُّنيا والآخِرة، وبشيرٌ للمُطيعين لله بثواب الدُّنيا والآخِرة.
"تفسيرُ السَّعديّ بتصرُّفٍ يسير"
• ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ 3. واسألوا اللهَ أن يَغفرَ لكم ذنوبَكم،
ثُمَّ ارجعوا إليه نادمين تائبين مُنيبين؛ بالرجوع عَمَّا يكرهُه سُبحانه إلى ما يُحِبُّه
ويَرضاه، يُعطِكُم مِن رِزْقِهِ ما تتمتَّعون به وتنتفِعُون إلى وقت وفاتِكم،
ويُعطِ أهلَ الإحسان والبِرِّ مِن فَضله وبِرِّه ما هو جزاءٌ لإحسانِهم؛
مِن حُصول ما يُحِبُّون، ودَفْع ما يكرهون.
"تفسيرُ السَّعديّ بتصرُّفٍ يسير"
• ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ 6. لقد تكفَّل اللهُ برزق جميع ما دَبَّ على وجه الأرض،
مِن آدميٍّ أو حيوانٍ بَريٍّ أو بَحريٍّ، تفضُّلاً منه، ويَعلَمُ مكانَ استقراره في حياته
وبعد موته، ويَعلَمُ المَوضِعَ الذي يَموتُ فيه، كُلُّ ذلك مكتوبٌ في اللوح المحفوظ
المُحتوي على جميع الحوادثِ الواقعةِ، والتي تقعُ في السَّماواتِ والأرض.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ ابن كثير"
فلا تَظُنَّنَّ الرِّزْقَ مِن عند البَشر، ولا مِن عملِكَ ووَظيفتِكَ، ولا مِن مهاراتِكَ وقُدراتِكَ،
بل هو مِن عند اللهِ سُبحانه. فليَطمئِنَّ قلبُكَ، ولتُوقِنَ بأنَّ رِزْقَكَ لن يأخُذَه غيركَ.
فلو جلستَ في بيتِكَ، لَجَاءكَ ما كتبه اللهُ لكَ مِن رِزْقٍ، لكنَّنا أُمرنا أن نأخُذَ بالأسبابِ
وأن نسعى في الأرضِ.
• ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ
صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ 9-11. يُخبِرُ تعالى
عن طبيعةِ الإنسان؛ أنَّه ظالِمٌ جاهِلٌ بأنَّ اللهَ إذا أذاقه منه رحمةً- كالصِّحَّةِ
والرِّزْقِ والأولادِ ونحو ذلك- ثُمَّ نَزَعَها منه، فإنه يَستسلِمُ لليأس، وينقادُ للقُنوطِ،
فلا يَرجو ثوابَ الله، ولا يَخطُرُ بباله أنَّ اللهَ سيَرُدُّها أو مِثلَها، أو خيرًا منها عليه،
وأنَّه إذا أذاقه رحمةً من بعد ضرَّاءَ مَسَّته؛ فبَسَطَ له في دُنياه، ووَسَّعَ عليه في رِزقِهِ
بعد ضِيقٍ من العيشِ، أنَّه يَفرحُ ويَبطُرُ، ويَظُنُّ أنَّه سيَدومُ له ذلك الخيرُ، ويقول:
ذَهَبَ الضِّيقُ عَنِّي وزالَت الشدائدُ، وفَرِحَ بما أُوتِيَ مِمَّا يُوافِقُ هَوَى نَفْسِهِ، وبالَغَ
في الفَخر والتَّعالِي بنِعَمِ اللهِ على الناس. وذلك يَحمِلُه على الأشر والبَطر والإعجاب
بالنَّفس، والتَّكبُّر على الخَلْقِ، واحتقارِهم وازدرائِهم. وهذه طبيعة الإنسان مِن حيثُ
هو، إلَّا مَن وَفَّقَه اللهُ وأخرجَه مِن هذا الخُلُقِ الذَّمِيم إلى ضِدِّه، وهم الذين صبروا
أنفسَهم عند الضَّرَّاءِ فلم يَيأسُوا، وعند السَّرَّاءِ فلم يَبطروا، وعَمِلُوا الصالحاتِ؛
مِن واجباتٍ ومُستحبَّاتٍ. هؤلاءِ لهم مَغفرةٌ لذنوبِهم، يزول بها عنهم كُلُّ مَحذورٍ،
وأجرٌ كبيرٌ في الآخِرة؛ وهو الفوزُ بجنَّاتِ النعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفسُ،
وتلذُّ الأعيُنُ.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا
لَا يُبْخَسُونَ ﴾ 15. مَن كان يُريدُ بعَملِهِ الحَياةَ الدُّنيا ومُتَعَها، نُعطِهم ما قُسِمَ
لهم من ثواب أعمالِهم في الحَياةِ الدُّنيا كامِلاً غير منقوص.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
فمِن الناس مَن كُلُّ آمالِهِ حياةٌ دُنيويَّةٌ عاجِلةٌ ولَذَّةٌ وقتيَّةٌ.
فابتعَدُوا عن طريق الحَقِّ، ولم يَسلكوا طريقَ الهَدَى،
ولم ينعموا بدِين الله.
• ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ 23. إنَّ الذين صدَّقوا اللهَ ورسولَه، وعَمِلُوا الأعمالَ الصالحة،
وخَضَعُوا للهِ في كُلِّ ما أُمِرُوا به ونُهُوا عنه، أولئك هم أهلُ الجنَّةِ، لا يَموتون فيها،
ولا يَخْرجون منها أبدًا.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• أرسلَ اللهُ تعالى جميعَ الرُّسُل لدَعوةِ النَّاسِ إلى توحيدِ الله، ونَهيهم عن الشِّركِ به.
وأوَّلُهم نُوحٌ عليه السَّلام: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ
لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ 25-26.
وهذا هُودٌ- عليه السَّلامُ- يدعوا قومَه للتَّوحيدِ: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴾ 50.
وصالِحٌ- عليه السَّلامُ- قال لقومِهِ: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ 61.
وكذلك شُعيبٌ- عليه السَّلامُ- دعا قومَه لتوحيدِ اللهِ: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ
بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾ 84.
• ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ
وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ
إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ 31. فغايتي أنِّي رسولُ اللهِ إليكم، أُبَشِّرُكم، وأُنذِرُكم،
وأمَّا ما عَدا ذلك، فليس بيدي من الأمر شيءٌ، فليست خزائِنُ اللهِ عندي،
أُدبِّرُها أنا، وأُعطِي مَن أشاء، وأَحرِمُ مَن أشاء، ولا أعلَمُ الغَيبَ، فأخبركم
بسرائركم وبواطنكم، ولستُ بمَلَكٍ من الملائكةِ. فأنا لا أدَّعِي رُتبةً فوق رُتبتي،
ولا منزلةً سِوَى المنزلة التي أنزلني اللهُ بها، ولا أحكُمُ على النَّاس بظَنِّي.
ولا أقولُ لضُعفاءِ المُؤمنين، الذين تحتقرونَهم: لن يُؤتيكم اللهُ ثوابًا على أعمالِكم،
فاللهُ وَحدَه أعلَمُ بما في صُدورهم وقُلوبِهم. ولَئن قُلتُ لكم شيئًا مِمَّا تَقَدَّمَ،
إنِّي إذًا لِمَن الظَّالِمين لأنفُسِهم ولغيرهم.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيسَّرُ بتصرُّفٍ يَسير"
• ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ 38. ويَصنَعُ نُوحٌ السفينةَ، وكُلَّما مَرَّ عليه
جماعةٌ مِن كُبَراءِ قَومِهِ سَخِرُوا منه، قال لهم نُوحٌ: إن تَسخَرُوا مِنَّا اليَومَ؛
لِجَهْلِكم بصِدق وَعْدِ الله، فإنَّا نَسخَرُ منكم غدًا عند الغَرَقِ كما تَسخرون مِنَّا.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
وهكذا كثيرٌ مِن النَّاس يَسخرونَ مِن المُؤمنين، ويَستهزئون بتصرُّفاتِهم وأفعالِهم،
وإنْ أخذوا فيها بالأسباب، وتوكَّلُوا على الله. فلا تعبأ بمَن يَسخرُ منكَ،
ولا تهتمّ بمَن يَعيبُكَ أو يَذُمُّكَ، طالما توكَّلتَ على رَبِّكَ سُبحانه وأخذتَ بالأسبابِ،
ولم تفعل شيئًا يُغضِبُ اللهَ. يكفيكَ أنَّ اللهَ تعالى مُطَّلِعُ عليكَ، ويَعلَمُ عملَكَ،
ولا يَخفَى عليه شيءٌ مِن أمركَ.
• قال هُودٌ- عليه السَّلامُ- لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ 52. ويا قَومِ
اطلُبُوا مَغفرةَ اللهِ والإيمانَ بِهِ، ثُمَّ تُوبُوا إليه مِن ذُنُوبِكم، فإنَّكم إن فعلتم ذلك،
يُرسِل المَطَرَ عليكم مُتتابِعًا كثيرًا، فتكثُر خيراتُكم، ويَزِدكم قُوَّةً إلى قُوَّتِكم؛
بكَثرة ذُريَّاتِكم، وتتابُع النِّعم عليكم، ولا تُعرضوا عَمَّا دَعوتُكم إليه مُصِرِّين
على إجرامِكم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
فمِن نتائِج التَّوبةِ والاستغفار: نزولُ المَطر، وزيادةُ القُوَّة، وكثرةُ الذُّريَّةِ والمال،
وتتابُعُ النِّعَم.
• ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا
فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً
غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ 106-108. فأمَّا الذين شَقُوا في الدُّنيا؛ لِفَسادِ عَقيدتِهم وسُوءِ
أعمالِهم، فالنَّارُ مُستقرُّهم، لهم فيها مِن شِدَّةِ ما هم فيه مِن العَذاب زفيرٌ وشهيقٌ،
وهما أشنعُ الأصواتِ وأقبحُها، ماكثين في النَّار أبدًا ما دامت السَّماواتُ والأرضُ،
فلا ينقطِعُ عَذابُهم ولا ينتهي، بل هو دائِمٌ مُؤكَّدٌ، إلَّا ما شاء رَبُّكَ مِن إخراج
عُصاة المُوحِّدين بعد مُدَّةٍ مِن مُكثهم في النَّار. إنَّ رَبَّكَ- أيُّها الرسولُ- فعَّال
لِمَا يُريدُ. وأمَّا الذين رَزَقَهم اللهُ السَّعادةَ، فيَدخُلُونَ الجنَّةَ خالِدين فيها ما دامت
السَّماواتُ والأرضُ، إلَّا الفريقُ الذي شاء اللهُ تأخيرَه، وهُم عُصاةُ المُوحِّدِين،
فإنَّهم يبقون في النار فترةً مِن الزَّمَن، ثُمَّ يَخرجون منها إلى الجنَّةِ بمَشيئةِ اللهِ
ورَحمته، ويُعطِي رَبُّكَ هؤلاء السُّعداءِ في الجنَّة عَطاءً غير مَقطوعٍ عنهم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ 117. وما كان اللهُ لِيُهلِكَ
أهلَ القُرى بظُلمٍ منه لهم، وهم مُصلِحونَ في الأرض، مُجتنِبونَ للفَسادِ والظُّلمِ،
وإنَّما يُهلِكُهم بسبب ظُلمِهم وفَسادِهم.
ويُحتَمَلُ أنَّ المَعنى: وما كان رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بظُلمِهم السَّابِق، إذا رَجَعُوا وأصلَحُوا
عَمَلَهم، فإنَّ اللهَ يَعفُو عنهم، ويَمحُو ما تَقَدَّمَ مِن ظُلمِهم.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ 118-119.
ولو شاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهم جَماعةً واحِدةً على دِينٍ واحِدٍ، وهو دِين الإسلام،
ولكنَّه سُبحانه لم يَشأ ذلك، فلا يُزالُ النَّاسُ مُختلفين في أديانِهم؛ وذلك مُقتضَى
حِكمتِهِ. إلَّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ فآمَنُوا بِهِ واتَّبَعُوا رُسُلَه، فإنَّهم لا يختلفون في توحيدِ اللهِ
وما جاءت بِهِ الرُّسُلُ مِن عند اللهِ، وقد اقتضت حِكمتُه سُبحانه وتعالى أنَّه خَلَقهم
مُختلفين: فريق شقيٌّ وفريق سعيدٌ، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له. وبهذا يتحقَّقُ وَعْدُ رَبِّكَ
في قَضائِهِ وقَدَرِهِ: أنَّه سُبحانه سيَملأ جَهنَّمَ مِنَ الجِنِّ والإنس الذين اتَّبَعُوا إبليسَ
وجُنْدَه ولم يهتدوا للإيمان.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ
وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ 120. ونَقُصُّ عليكَ- أيُّها النبيُّ- مِن أخبار الرُّسُل
الذين كانوا قَبلَكَ، كُلَّ ما تحتاجُ إليه مِمَّا يُقوِّي قلبَكَ للقيام بأعباءِ الرسالةِ،
وقد جاءكَ في هذه السُّورةِ وما اشتملَت عليه مِن أخبارٍ، بيانُ الحَقِّ الذي أنتَ عليه،
وجاءكَ فيها مَوعِظَةٌ يَرتدِعُ بها الكافرون، وذِكرَى يتذكَّرُ بها المُؤمنون باللهِ ورُسُلِهِ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ
وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ 123. وللهِ- سُبحانه وتعالى- عِلمُ كُلِّ ما غاب
في السَّماواتِ والأرض مِن الخَفايا والأمور الغيبيَّةِ، وإليه يُرْجَعُ الأمرُ كُلُّه يوم
القِيامة، فاعبُده وفَوِّض أمركَ إليه، وما رَبُّكَ بغَافِلٍ عَمَّا تعملون مِنَ الخَير والشَّرِّ،
بل قد أحاط عِلمُه بذلك، وجَرَى به قلمُه، وسيُجازِي كُلاًّ بعَملِهِ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"