السؤال:
انتشرت في الآونة الأخيرة خرائط ذهنية للمساعدة على حفظ القرآن الكريم ، كنت أود أن أعلم حكم استخدامها .
الجواب :
الحمد لله
الخارطة الذهنية المقصودة في هذا الموضوع هي الرسومات الشجرية التي تبين الوحدة الموضوعية لسور القرآن الكريم . يتم من خلالها استعراض الموضوعات التي تناولتها سورة معينة من القرآن ، وعلاقة هذه الموضوعات ببعضها ، وترتيبها في السورة ، ثم رسم ذلك على شكل خارطة أو شجرة تعين الناظر فيها على تصور السورة تصورا كليا إجماليا ، وهذا أمر يسهل على القارئ التدبر ، وعلى الحافظ الحفظ والاستحضار .
وهذا – كما يلاحظ السائل – عرض لموضوعات السورة ، والقضايا المقاصدية التي اشتملت عليها ، مع الإشارة إلى علاقة تلك القضايا بالموضوع الرئيسي للسورة ، وهو ما يسميه المختصون في علوم القرآن والتفسير " الوحدة الموضوعية " للسورة .
والخرائط الذهنية إنما هي رسومات وشجرات تعرض هذا التفسير الموضوعي للسورة بشكل سهل ومتميز .
وقد وقفنا على مجموعة من المؤلفات المهمة في هذا الموضوع ، منها :
1. التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم ، إعداد نخبة من علماء التفسير وعلوم القرآن ، بإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم ، إصدار كلية الدراسات العليا في جامعة الشارقة ، وهو موسوعة ضخمة متميزة ، تقع في عشرة مجلدات ، تم إصدارها في العام (2010م) .
2. الخارطة الذهنية للقرآن الكريم ، سورة البقرة نموذجا ، تأليف فضيلة الدكتور إبراهيم الدويش.
3. الخرائط الذهنية لسور القرآن الكريم ، تأليف صفية السحيباني .
وللتأصيل لهذا النوع من التفسير وأهميته وضوابطه ، يمكن مراجعة كتاب " التفسير الموضوعي للقرآن الكريم " للدكتور أحمد الكومي . وكتاب " مباحث في التفسير الموضوعي " للأستاذ الدكتور مصطفى مسلم .
يقول فيه حفظه الله :
" اللون الثالث من التفسير الموضوعي يبحث عن الهدف الأساسي في السورة الواحدة ، ويكون هذا الهدف هو محور التفسير الموضوعي في السورة . وطريقة البحث في هذا اللون هو أن يستوعب الباحث هدف السورة الأساسي ، أو أهدافها الرئيسية ، ثم يبحث عن سبب النزول للسورة أو الآيات التي عرضت الموضوع الأساسي للسورة ، ثم ينظر إلى ترتيب نزول السورة من بين السور المكية أو المدنية ، ثم يدرس الأساليب القرآنية في عرض الموضوع والمناسبات بين مقاطع الآيات في السورة .
وسيجد الباحث أن لكل سورة شخصيتها المستقلة وأهدافها الأساسية .
ولم يظفر هذا اللون من التفسير الموضوعي بعناية المفسرين القدماء ، بل جاء في ثنايا تفسيرهم الإشارة إلى بعض أهداف السور وخاصة القصيرة منها ، وكذلك التوخي لوجه المناسبة بين مقاطع بعض السور ، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، وكما فعل البقاعي في " نظم الدرر "، وعبد الحميد الفراهي في كتابه " نظام القرآن ".
أما في العصر الحديث فقد كان سيد قطب مولعا بعرض أهداف وأساسيات كل سورة قبل البدء في تفسيرها ، وبيان شخصية كل سورة وملامحها المتميزة عن بقية السور . والأساليب المتبعة في عرض أفكارها . فيعتبر كتابه " في ظلال القرآن " نموذجا جيدا وبخاصة مقدمة تفسيره لكل سورة .
كما كتب غيره ممن جاء بعده مستفيدا من منهجه ، كما فعل إبراهيم زيد الكيلاني في كتابه " تصور الألوهية كما تعرضه سورة الأنعام "، وكتابه " معركة النبوة مع المشركين " أو : قضية الرسالة كما تعرضها سورة الأنعام وبينها القرآن الكريم " انتهى . (ص/29) .
ويقول أيضا :
" فإن التفسير الموضوعي نوع من أنواع التفسير الذي بدأت أصوله تترسخ ، ومناهجه تتضح منذ نصف قرن من الزمن ، وأقر تدريسه في الجامعات ، فهو إلى جانب التفسير التحليلي والإجمالي والمقارن ، أصبح يشغل حيزا في الدراسات القرآنية المعاصرة ، إلا أن جانب التطبيق العملي غلب على الدراسات التأصيلية ، وبخاصة " الموضوع القرآني "، فهناك مئات بل ألوف الدراسات التي تناولت حقول المعرفة الإنسانية من خلال القرآن الكريم ، وسجلت الرسائل العلمية في الدراسات العليا في القضايا المختلفة ، وبذلت جهود هائلة لإثارة الموضوعات العلمية التطبيقية والدراسات الاجتماعية والنفسية والتاريخية والفلسفية والعقدية من خلال القرآن الكريم .
وحظي هذا اللون – الموضوع القرآني – باهتمام الدارسين ، بل صار يخيل لكثير من طلبة العلم أنه اللون الوحيد للتفسير الموضوعي ، ولا زال .
أما اللونان الآخران – المصطلح القرآني – والتفسير الموضوعي للسورة القرآنية ، فقد تناولها الباحثون ، ولكن ليست على مستوى الدراسات التي حظي بها الموضوع القرآني .
وكتبت دراسات متفرقة هنا وهناك عن المصطلح القرآني ، وفسرت سور متفرقة هنا وهناك أيضا . ولا أظن أحدا وضع في خطته أن يقوم بتفسير لجميع سور القرآن الكريم على منهج التفسير الموضوعي ، وكان حلما يراودني منذ توليت تدريس هذه المادة في الجامعات منذ خمسة وثلاثين عاما ، إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى لهذه المهمة مجموعة بحوث الكتاب والسنة التي أنشئت عام (1425هـ-2004م) في جامعة الشارقة ، حيث تبنت المجموعة القيام بهذا العمل الرائد غير المسبوق " انتهى من " التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم " (1/أ-ب) .
والذي نراه في حكم مثل هذه الاجتهادات العلمية أنها أسباب معينة على الخير ، ووسائل توصل إلى مقاصد شرعية ، تتلخص بالتفكر والتدبر والتأمل في كتاب الله العزيز ، بطريقة طريفة مبتكرة ، سلكها بعض المفسرين في كتبهم قديما – بوجه غير متكامل – كالبقاعي في " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور "، ونقرأ منها شذرات متفرقة في كتب التفسير إجمالا ، فمن المشروع الزيادة عليها وتطويرها لتصبح فنا قائما بذاته . ولما كانت الوسائل لها أحكام المقاصد ، والمقاصد هنا جليلة شريفة ، كانت الوسيلة أيضا مشروعة ، ونفعها ظاهر ، وفائدتها متحققة لكل من تأمل فيها وسلكها .
على أن نتحرى أن يكون القائم على تلك الخرائط ، أو المؤلف فيها : من أهل العلم بكتاب الله ، وتفسيره ، على معرفة بلغات العرب ، وأساليبها في الكلام ، ملما بأقوال السلف في تفسير كتاب الله .
نسأل الله تعالى السداد والتوفيق للقائمين على هذا المشروع .
والله أعلم .