خطبة الجمعة - : آداب المسجد.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، نحن في موضوع متسلسل إلا أن أخاً كريماً تمنى علي أن أعالج موضوع آداب المسجد في خطبة مستقلة، نظراً لما يرى من جهل بآداب المسجد، أو انتهاك لقواعد دخوله، والجلوس فيه، والاستماع، والصلاة فلبيت رغبته، وها أنا ذا أجعل هذه الخطبة متعلقة بآداب المسجد مع أن الذي يُلاحظ أن تسعة وتسعين بالمئة من رواد المسجد ملتزمون بآداب المسجد، إما بدافع من ذوقهم العام أو بمعرفتهم بالحكم الشرعي، أما القلة القليلة هذه ينبغي أن يُلفت نظرها إلى الآداب التي ينبغي أن يراعيها المسلم إذا دخل بيتاً من بيوت الله.
أيها الإخوة الكرام، المساجد بيوت الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحب بيوته، وأكثر من زيارتها، قال تعالى:
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)﴾
[سورة الجن]
ويا أيها الإخوة الكرام، والضيف إذا نزل بساحة الكرماء، ومنازل العظماء نال من أعطياتهم، وغنم من جودهم وفضلهم، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين، وحل ببيت رب العالمين ؟.
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:
((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، وحُق على المزور أن يكرم زائره))
[رواه أبو نعيم]
أيها الإخوة الكرام، أعظم هذا الإكرام، وأفضل هذه الأعطيات أن يذيق الله المسلم الذي يزور الله في بيته لذة القرب، وحلاوة المناجاة، وأن يمنحه شهادة الإيمان.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجه]
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر: في منازل يوم القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون الذي يرتاد المساجد في ظل عرش الله جل جلاله آمناً مطمئناً يوم لا ظل إلا ظله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد ومالك]
الإنسان الذي يحب الدنيا قلبه معلق بالأماكن التي فيها الدنيا والإنسان الذي يحب الله، والدار الآخرة، قلبه معلق بالمكان الذي فيه قرب من الله والدار الآخرة، الرجل الذي قلبه معلق بالمساجد، هذا ينعم بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، كما ورد في الحديث الصحيح.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأحمد]
أن تأتي إلى المسجد لصلاة الجمعة هذه فريضة، لحضور مجلس علم لأداء الصلوات، لذكر الله عز وجل، لتلاوة القرآن، لطلب العلم هذا مما يجعلك من المقربين عند الله عز وجل.
يا أيها الإخوة الكرام، حقيقة دقيقة وعميقة، أرجو أن يكون الانتباه إليها واضحاً ؛ دور المسجد تقلص في عصور تأخر المسلمين، تقلص إلى أن أصبح مكاناً تؤدى فيه الصلوات، مع أن أي مكان في الأرض يصلح لأداء الصلوات،
((أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه]
أي مكان أدركك فيه الوقت إذا صليت فيه فهو مسجد ؛ لأنه مكان السجود منْ فِعلِ سَجَدَ، فأداء الصلوات يمكن أن يكون في أي مكان ولكن المسجد له دور أكبر بكثير، وأخطر بكثير من أن يكون مكان تؤدى فيه الصلوات، قال تعالى:
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾
[سورة النور]
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
[سورة طه]
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾
[سورة البقرة]
هذا الهدى الذي إذا اتبعه الإنسان لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه أين نجده ؟ في الطريق ؟ في المجلات ؟ في أي مكان نجده ؟ نجده في المساجد.. مكان الهدى، مكان نشر الحق، مكان بيان الفضيلة، مكن توضيح الهدى.
أيها الإخوة الكرام، في المسجد خطبة الجمعة، وفي المسجد تفسير كتاب الله، وفي المسجد شرح حديث رسول الله، وفي المسجد بيان سيرة رسول الله وفي المسجد بيان أحكام الفقه، وفي المسجد قصص الصحابة الكرام إنها غذاء العقل لئلا يضل، وغذاء للقلب لئلا يشقى. لا كيان بلا مكان الهدى أين مكانه ؟ في المسجد.
إذا أردت أن تكون طبيباً لا بد من جامعة تتعلم فيها، وإذا أردت أن تكون مؤمناً مهتدياً مستقيماً عارفاً لحقيقة الحياة الدنيا، عارفاً لحقيقة الإنسان، هذا الهدى أين تجده ؟ في المسجد.
أيها الإخوة الكرام، وفي المسجد أيضاً تعاون على البر والتقوى، قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾
[سورة المائدة]
قال علماء التفسير: البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة.
والشاهد الذي يوضح هذه الحقيقة التي فحواها أن المسجد له دور كبير قول النبي صلى الله عليه وسلم في ما روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ))
بيت الله المكان الطبيعي الصحيح لتلاوة كتاب الله وبيان معانيه ومدارسته.
السكينة: سَمِّها ما شئت، ولكنها حال إذا أصاب المؤمن شعر كأنه ملك الدنيا. السكينة تجلٍ من الله عز وجل على قلب المؤمن يملؤه غنىً يملؤه رضاً، يملؤه طمأنينة، يملؤه تفاؤلاً، يملؤه فرحاً، يملؤه سعادة يملؤه شعوراً بالفوز، شعوراً بالتفوق، يملؤه شعوراً بالفلاح.
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ))
قد يقول أحدكم: والله شعرت براحة كبرى، هذه الراحة هي السكينة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، قد يقول أحدكم: والله شعرت بطمأنينة، هي السكينة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
((وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ))
أمدهم الله عز وجل برحمته، إن في الأمور الدنيوية، أو في الأمور الأخروية، رحمة الله مطلقة وواسعة، تشمل الدنيا والآخرة. هم في مساجدهم، والله في حوائجهم.
((وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ))
الملك يلهم ويسدد.
((وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
ورفع الله ذكر هذا الإنسان الذي يرتاد المساجد.
هذا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم هو المحور الذي ينبغي أن تكون عليه رسالة المسجد.
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ))
أيها الإخوة الكرام، الآن سندخل في موضوع الخطبة:
الأدب الأول: تعظيم بيوت الله.
إذا كان من حق الضيف أن نكرمه فإن من واجب الضيف أن يعرف قدر المزور وأن يتأدب معه، من حق الضيف أن يُكرم من قبل صاحب البيت، ومن واجب الضيف أن يعرف مَن صاحب البيت، مَن الداعي من المزور، أن تعرف من صاحب البيت وأن تتأدب معه، لذلك أول أدب من آداب المسجد تعظيم بيوت الله جل جلاله ؛ لأنها بُنيت لذكره وبُنيت لعبادته، ولتلاوة كتابه، وأداء رسالة نبيه، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وبُنيت كي يتعارف المسلمون فيما بينهم، مكان اللقاء مكان التعارف، مكان التناصح، مكان البذل، مكان التضحية، مكان الوئام مكان الحب.
أيها الإخوة الكرام، المسلمون في بيوت الله ينبغي أن يتعارفوا، وأن يلتقوا على محبة الله عز وجل، وأن ينهلوا العلم، والحكمة، ومكارم الأخلاق، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾
[سورة الحج]
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)﴾
[سورة النور]
وقد ورد في الحديث فيما رواه الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((المسجد بيت كل تقي))
الأدب الثاني: العمل على إشادتها، وصيانتها، والعناية بها ودعوة الناس إلى ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ))
[أخرجه ابن ماجه وأحمد]
لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((خير البلاد مساجدها))
مكان الهدى، ومكان العبادة، مكان الذكر، مكان التعليم.
روي أن تميماً الداري أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل من الشام إلى المدينة قناديل وزيتاً وحبالاً، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة، أمر غلاماً له فربط الحبال، وعلق القناديل وصب فيها الزيت، وجعل فيها الفتيل، فلما غربت الشمس أمر غلامه فأسرجها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هي تزهر، فقال: من فعل هذا، قالوا: تميم الداري، فقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى تميم الداري: يا تميم نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة، أما لو كانت لي ابنة لزوجتكها.
بناء المساجد، تنوير المساجد، توفير المرافق، توفير راحة المصلي هذا عمل عظيم من أعظم الأعمال.
أيها الإخوة الكرام، المكان النظيف يجذب الناس، المكان المريح يجذب الناس، المكان الجميل يجذب الناس، فكما أننا نعتني بالبيوت ؛ ننظفها، ونطليها ونؤثثها، ينبغي أن نعتني بالمساجد كي تجذب الناس إليها. وأبلغ كلمة قيلت في هذا الموضوع أنه لا ينبغي أن تكون المساجد من حيث النظافة والأناقة، والترتيب، وتوفير الراحة أقل من بيوتنا، حتى ينجذب الإنسان إلى المسجد.
أيها الإخوة الكرام، لا ينبغي أن تكون الدور التي يُعصى الله فيها أنيقة، ومزدانة، بينما المساجد التي يُعبد الله فيها ينبغي أن تكون نظيفة، وأنيقة، ومزدانة، وأن تكون عالية.
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ﴾
لم يقل الله أن تُبنى، قال:
﴿أن تُرفع﴾
وفي هذه الكلمة دلالة على أن بيوت الله جل جلاله ينبغي أن تكون عالية شامخة.
الأدب الثالث من آداب المسجد: التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة، وحسن الوضوء، والتسوك، ولبس الثياب النظيفة وتقليم الأظافر، وترجيل الشعر، والتجمل، والتطيب.
لذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم غُسل الجمعة واجباً عينياً على كل مسلم،
((اغتسل ولو مداً بدينار))
من أجل أن تأتي إلى بيت من بيوت الله نظيف الثياب، قال تعالى:
﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
[سورة الأعراف]
كيف بك إذا ذهبت إلى حفل بهيج، إلى عقد قران، ترتدي أجمل ثيابك، ترجل شعرك، تنظف هندامك، تؤنِّقه، هكذا ينبغي أن تفعل إذا توجهت إلى بيت من بيوت الله.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً))
[أخرجه مسلم وبن ماجه]
الأدب الرابع: الدخول إلى المسجد بتقديم الرجل اليمنى، والدعاء التالي: بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، لأن الرحمة في المسجد، وإذا خرج المسلم من المسجد يقدم اليسرى ويقول: اللهم افتح لي أبواب فضلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ))
[أخرجه ابن ماجه وأبو داود]
أنت في حالين، في المسجد تتلقى من الله الرحمات، وخارج المسجد تتلقى من الله الفضل.
ومن آداب المسجد صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الجلوس، فإن لم تتمكن فقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن آداب المسجد خلع الحذاء، وإزالة ما علق به وإطباقه، ووضعه في المكان المناسب، والحذر من رفعه فوق الرؤوس، والحذر من تلويث المسجد به.
نفضه، إزالة ما علق به، طبقه، وضعه في المكان المناسب.
ومن آداب المسجد الانتباه إلى نظافة الجوارب، فكم من ضعيف في الإيمان نفر من المسجد من جورب ذي رائحة، وكم من ضعيف في إيمانه ترك المسجد من مصل ذي رائحة، لذلك ؛ التنَظُّف، نظافة البدن والثياب، والتجمل، والتطيب، من آداب المسجد.
أيها الإخوة الكرام، ومن آداب المسجد تجنب أكل الثوم والبصل وما له رائحة كريهة، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد]
هذه الأكلة المحببة اجعلها في يوم آخر، وليكن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلى عندك من هذه الأكلة.
أيها الإخوة الكرام، ومن آداب المسجد تجنب رفع الصوت ولو بتلاوة القرآن.
عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:
((كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا ؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
[أخرجه البخاري]
رفع الصوت لا يجوز ولو بتلاوة القرآن، ما الذي يحصل أحياناً مجلس علم في المسجد، والدرس قائم، يدخل رجل ليصلي إماماً ويرفع صوته بالقراءة فيشوش على المستمعين درسهم، إذا رأيت الحرم ممتلئاً بمجلس علم فصل خارج الحرم، وإذا أممت آخرين فأسمعهم فقط، لا ينبغي أن تسمع كل من في المسجد قراءتك وتكبيراتك، رفع الصوت حتى بالقرآن مكروه في المسجد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
((اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ))
[أخرجه أبو داود وأحمد]
وفي حديث آخر:
((إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ بِمَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ))
[أخرجه أحمد ومالك]
أيها الإخوة الكرام، ومن آداب المسجد تجنب الخصومات، وتجنب الاشتغال بأمور الدنيا والبيع والشراء والبحث عن ضائع، وإنشاء الشعر.
فعن ابن عمر
((أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمسجدَ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ))
فقد روى الإمام الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ))
ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فحقه أن لا يقول إلا خيراً.
ومن آداب المسجد تجنب الاحتباء، أن تطوق ركبتيك بيديك، وتشبيك الأصابع، وفرقعتها، والعبث بها.
ومن آداب المسجد عدم العبث بالمسبحة، إذا قلت لصاحبك صه فقد لغوت.
عن مولى لأبي سعيد الخدري قال:
((بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبيا مشبكاً أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه))
[رواه أحمد وإسناده حسن]
الاحتباء: أن تضم الرجلان إلى البطن بثوب أو يدين
أيها الإخوة الكرام، ومن آداب المسجد تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
أحياناً إمام في مسجد، ومدرس يلقي درس علم فيه، فتأخر قليلاً في درسه فأذن المؤذن، يخرج الإمام من المسجد ليصلي إماماً في مسجد آخر.
عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ:
((كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدرامي]
ومن آداب المسجد تجنب تناول الأطعمة، وتجنب جعل المسجد مكاناً للراحة، والقيلولة، والسمر.
حديث دنيوي، جلسة بعد العصر بأمور الدنيا، هذا لا يجوز أبداً ليس مكاناً للسمر ولا للراحة، ولا لتناول الطعام.
وتجنب أيضاً الوقوع في المحرمات كالغيبة، والنميمة، والكذب فالغيبة عقابها كبير، هذا العقاب يتضاعف إذا كانت في المسجد، المسجد مكان مقدس لذكر لله، لا لغيبة المسلمين.
ومن آداب المسجد تجنب المرور من المسجد كطريق.
أحياناً أناس كثيرون يدخلون إلى الجامع الأموي من باب، ويخرجون منه من باب آخر، اختصاراً لطول لطريق، هذا لا يجوز أن يكون المسجد ممراً. أو الدخول والخروج من غير صلاة، أو ذكر، أو تسبيح، أو عبادة، أو أمر بالمعروف، أو نهي عن منكر، أو طلب علم، هذا كله لا يجوز.
ومن آداب المسجد القيامة بصيانة المسجد، والحفاظ على نظافته وأناقته، وأثاثه، وأمتعته، وكتبه، ومصاحفه. فهذا الذي يأتي بغلام صغير فيبول في المسجد على السجاد الأنيق النظيف المخيط الذي أصبح قطعة واحدة ألم يسئ إلى المسجد إساءة بالغة.
روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور، أي في الأماكن التي تُبنى فيها البيوت، وأن تُنظف وأن تتطيب.
وفي حديث دقيق عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا))
[أخرجه الترمذي وأبو داود]
يعني قشة إن التقطتها من أرض المسجد ووضعتها في جيبك هذا العمل تُؤجر عليه.
أما الأطفال فوق السابعة ينبغي أن تأتي بهم إلى المسجد، الأطفال هم المستقبل، والكبار هم الحاضر، والحاضر عليه ألف مأخذ، لكن المستقبل ينبغي أن يكون خيراً من الحاضر، لذلك ليكن ابنك معك في المسجد لكن فوق السابعة، كي يفهم الخطبة، كي يفهم ما يتلى، ما يقال أما إذا كان في سنٍ صغيرة جداً وأردت أن تجلبه معك لا لشيء إلا لتوجيه من زوجتك وقد يؤذي المسجد، هذا ليس من تعويد الطفل على بيوت الله في هذه السن التي لا يفقه فيها شيئاً، بل ربما كان إيذاؤه أكبر من نفعه.
أيها الإخوة الكرام، ومن آداب المسجد تجنب التطيب، والتزين، والتبرج للمرأة التي تدخل المسجد، وينبغي أن تدخل من مكان دخول النساء، وأن لا تختلط بالرجال إطلاقاً.
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا))
[أخرجه مسلم والنسائي وأحمد]
أيها الإخوة الكرام، عود على بدء، ذكرت في مطلع هذه الخطبة أن تسعة وتسعين بالمائة من إخوتنا الكرام رواد هذا المسجد يلتزمون بهذه الآداب، إما عن علم أو عن ذوق عام، ولكن قلة قليلة لا تزيد عن واحد بالمائة لا تعرف هذه الأحكام، وقد تجهلها، لذلك جُعلت هذه الخطبة لفت نظر لهؤلاء القلة القليلة من أجل أن يكون بيت الله معظماً، ومن تعظيم بيت الله عز وجل اتباع هذه الآداب التي ورد في كل منها حديث صحيح.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام، إلحاقاً بالموضوع الأول أتمنى عليكم أن تدعوا طريقاً من الباب إلى مقدمة المسجد، الذي يُلاحظ أن في مقدمة المسجد أماكن فارغة، وتباعد بين الأخوة المصلين، وأن في مؤخرة المسجد اكتظاظ وازدحام، لو كان هناك طريق سالك مفتوح من الباب إلى المقدمة، ومن هذا المكان إلى المقدمة، فكل من جاء متأخراً يمشي في هذا الطريق ليملأ الفراغ الذي في مقدمة المسجد لقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾
[سورة المجادلة]
مما يلفت النظر من آيات الله الدالة على عظمته أن الخيل التي قال عنها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد]
مما يلفت النظر في هذا الحيوان الذي سخره الله للإنسان تكريماً له قال: الخيل قوية السمع تسمع وقع الخطى قبل أن ترى الذي يمشي، تسمع وقع حوافر خيل أخرى قبل أن تتبدى لها في الأفق، وتنبه صاحبها، هذا من خصائص الخيل.
وقال: الخيل لا تفقد قدرتها على التناسل حتى وهي متقدمة في السن،
((الْخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ))
وهي سريعة الشفاء من جروحها، سرعة غير معقولة، أسرع من شفاء جروح الإنسان، وتلتئم كسور عظامها بسرعة عجيبة جداً، ويكفي الحصان علف قليل ليقوم بجري كثير، وجهاز الحصان التنفسي قوي، وهو ذو قصبة هوائية واسعة جداً وقفص صدري واسع جداً يعينه على استنشاق أكبر كمية من الأكسجين لتعينه هذه الكمية على الجري الطويل.
والحصان له قدرة على تحمل المصاعب والمشاق، ويستطيع أن يحمل ربع وزنه، وزنه أربعمئة كيلو غرام، يحمل مائة كيلو ويعدو بها إلى مسافات طويلة، ويستطيع الحصان أن يعدو مسافات طويلة ولأمد طويل دون طعام ولا ماء، ويتميز الحصان بذاكرة حادة جداً، وهذه الذاكرة تنصب على الأماكن التي يعيش بها، فبإمكانه إذا أصاب صاحبه مكروه أن يعيده إلى البيت بذاكرته، ويستطيع الحصان أن يحفظ أدق الأماكن، وأدق التفاصيل، بل إنه يعرف صوت صاحبه ولو لم يره، بل إنه يعرف صاحبه من طريقة ركوبه الفرس، صاحبه له طريقة في الركوب، يتعرف على صاحبه إما من صوته، أو من رائحته، أو من طريقة ركوبه الفرس.
والحصان ـ أيها الإخوة ـ يستجيب لردود فعل سريعة جداً لحركات فارسه، ومن القصص التي تُروى أن حصان عليه ابنة صاحبه، فلما فزع وأراد أن يعدو انحنى على الأرض، وأنزلها من على ظهره ثم عدا هارباً.
من أذكى الحيوانات، ومن أشدها وفاءً، والشيء الذي يلفت النظر كما ذُكر في بعض البحوث العلمية ـ أن ركوب الخيل يقي أمراض القلب وأمراض الكبد، والكليتين، وأمراض جهاز الهضم، بينما ركوب السيارة دائماً يجلب أمراض القلب، وأمراض الكليتين، وأمراض الكبد الإدمان على ركوب السيارة. والشاعر الجاهلي الذي وصف حصانه فقال:
فازور من وقع القنا بلبانـــه وشكا إلي بعبرة وتحمحـم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلـم
-----------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر :
http://www.nabulsi.com