"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
غير طبعي أن امرءا راشدا يظل سنينا يطلب بقاءه، ويصطنع وجوده من الناس، ويبني كيانه على قبولهم وانصياعهم له كطفل مدلل، ثم لا يتوقف ولا يدع أحدا، ثم ينسب كل علم وفضل لنفسه مظهرا الاكتفاء والعبقرية بمغالطات ولغط وتلون واختيال! ولهذا جاءت عاقبته مخيفة في القرآن والحديث. ذاك هو المتكبر، لا يحسن الوقوف إلا على النظرات والكلمات والحركات التي تناسبه من الآخرين، ومن دونهم يبقى في قلق ووحشة ووسوسة، يبحث عن الناس ويلح وراءهم بكل وسيلة ظاهرة وخفية ليثبت وجوده ويشعر ببقائه، لا يطيق العيش يوما دونما استجداء شخصية وصفات وتقريظ من الناس، الحكم عنده مصلحته، ينافق ويتملق ويحتال أو يفارق ويسحق ويختال من أجل أن يكون ويبقى ويبرز، وليكن من بعد ذلك الطوفان لا يبالي على من.
انبذ السذاجة والإمعية والمجاملة المفرطة، أفق وكن ذا بصيرة وعدل وكرامة، ميز المتكبر وعامله بما يوقظه، وتجنبه؛ لئلا يؤذيك ولئلا تزيده كبرا وتشارك في صنع طاغية لا تعلم متى وعلى من سيتطاول، فالطاغية ليس سوى شخص يختنق إن لم يأخذ ويسمع ويرى ما يريد وإن عكر حياة الناس وآذاهم، فارغ العقل والقلب. من يتوهم المتكبر محبا أو وقورا أو حكيما أو قدوة فقد أساء لمجتمعه ووضع نفسه في صف الحمقى والبلهاء والأذلاء وقد يستمرئ الكبر وهو لا يشعر، أعاذنا الله من الغفلة.
الشخصية السليمة الناضجة المطمئنة تؤمن بأن الأنس بالناس وحشة والأنس بالله دهشة، وإن اضطرت إلى مخالطة الناس فبلا لهفة عليهم ولا انتظار منهم.